الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
لأن جميع الأمكنة الموجودة. أحق وأقل وأصغر. من ان يسع شيء منها خالق السماوات والأرض. الذي هو أعظم وأكبر من كل شيء. وهو بكل شيء. ولا يحيط به شيء.فانظر غيضاح ذلك في الأنعام.واعلم أن ما يزعمه كثير من الجهلة. من أن ما في القرآن العظيم. من صفة الاستواء والعلو والفوقية. يستلزم الجهة. وأن ذلك محال على الله. وأنه يجب نفي الاستواء والعلو والفوقية. وتأويلها بما لا دليل عليه من المعاني كله باطل.وسببه سوء الظن بالله وبكتابه. وعلى كل حال فمدعي لزوم الجهة لظواهر نصوصوالقرآن العظيم. واستلزام ذلك للنقص الموجب للتأويل يقال له:ما مرادك بالجهة؟إن كنت تريد بالجهة مكانًا موجودًا. انحصر فيه الله. فهذا ليس بظاهر القرآن. ولم يقله أحد من المسلمين.وإن كنت تريد بالجهة العدم المحض.فالعدم عبارة عن لا شيء.فميز أولا. بين الشيء الموجود وبين لا شيء.وقد قال أيضًا أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب الإبانة أيضًا ما نصه:فإن سئلنا أتقولون إن لله يدين؟ قيل نقول ذلك. وقد دل عليه قوله عز وجل: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]. وقوله عز وجل: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75].وأطال رحمه الله. الكلام في ذكر الأدلة من الكتاب ولاسنة على غثبات صفة اليدين لله.ومن جملة ما قال ما نصه:ويقال لهم: لم أنكرتم أن يكون الله عز وجل عنى بقوله: {يدي} يدين ليستا نعمتين.فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة.قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة؟فإن رجوعنا إلى شاهدنا. وإلى ما نجده فيما بيننا من الخلق؟فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة.قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله عز وجل فذلك لم نجد حيًا من الخلق. إلا جسمًا لحمًا ودمًا. فاقضوا بذلك على الله عز وجل.وإلا فأنتم لقولكم متأولون ولاعتلالكم ناقضون.وإن أثبتم حيًا لا كالأحياء منا.فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله عز وجل عنهما. يدين ليستا نعمتين لا جارحتين ولا كالأيدي؟وكذلك يقال لهم:لم تجدوا مدبرًا حكيمًا إلا إنسانًا. ثم أثبتم أن للدنيا مدبرًا حكيمًا. ليس كالإنسان. وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم.فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين. من أجل أن ذلك خلاف الشاهد اه. محل الغرض منه بلفظه.وبه تعلم أن الأشعري رحمه الله. يعتقد أن الصفات التي أنكرها المؤولون كصفة اليد. من جملة صفات المعاني كالحياة ونحوها. وأنه لا فرق ألبتة بين صفة اليد وصفة الحياة فما اتصف الله به من جميع ذلك فهو منزه عن مشابهة ما اتصف به الخلق منه.واللازم لمن شبه في بعض الصفات ونزه في بعضها أن يشبه في جميعها أو ينزه في جميعها. كما قاله الأشعري.أما ادعاء ظهور التشبيه في بعضها دون بعض. فلا وجه له بحال من الأحوال. لأن الموصوف بها واحد. وهو منزه عن مشابهة صفات خلقه.ومن جملة كلام أبي الحسن الأشعري رحمه الله المشار إليه آنفًا في إثبات الصفات ما نصبه:فإن قال قائل: لم أنكرتم أن يكون قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] وقوله: {بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت} [ص: 75] على المجاز؟قيل له: حكم كلام الله عز وجل أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا لحجة.ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم فإذا ورد بلفظ العموم. والمراد به الخصوص. فليس لهو على حقيقة الظاهر؟وليس يجوز أان يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة؟كذلك قول الله عز وجل: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيًّ} [ص: 75] على ظاهره وحقيقته من إثبات اليدين. ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة.ولوجاز ذلك لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم. فهو على الخصوص. وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة.وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان. لم يجز لكم ما ادعيتموه. أنه مجاز بغير حجة.بل واجب أن يكون قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين غذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم: فعلت بيدي وهو يعني النعمتين. اه محل الغرض منه بلفظه.وفيه تصريح أبي الحسن الأشعري رحمه الله. بأن صفات الله كصفة اليد ثابتة له حقيقة لا مجازًا. وأن المدعين أنها مجازهم خصومه وهو خصمهم كما ترى.وإنما قال رحمه الله: إنه تعالى متصف بها حقيقة لا مجازًا. لأنه لا يشك في أن ظاهر صفة الله هو مخالفة صفة الخلق. وتنزيهها عن مشابهتها كام هو شأن السلف الصالح كلهم.فإثبات الحقيقة ونفي المجاز في صفات الله هو اعتقاد كل مسلم طاهر القلب من أقذار التشبيه. لأنه لا يسبق إلى ذهنه من اللفظ الدال على الصفة كصفة اليد والوجه إلا أنها صفة كمال منزهة عن مشابهة صفات الخلق.فلا يخطر في ذهنه التشبيه الذي هو سبب نفي الصفة وتأويلها بمعنى لا أصل له.تنبيه مهم:فإن قيل دل الكتاب والسنة وإجماع السلف على أن الله وصف نفسه بصفة اليدين كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]. وقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] وقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ والأرض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] الآية.والأحاديث الدالة على مثل ما دلت عليه الآيات المذكورة كثيرة. كما هو معلوم. وأجمع المسلمون على أنه جل وعلا. لا يجوز أن يوصف بصفة الأيدي مع أنه تعالى قال: {أَولم يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71] فلم أجمع المسلمون على تقديم آية لما خلقت بيدي على آية مما عملت أيدينا؟فالجواب: أنه لا خلاف بين أهل اللسان العرب ولا بين المسلمين أن صيغ الجموع تأتي لمعنيين أحدهما إرادة التعظيم فقط. فلا يدخل في صيغة الجمع تعدد أصلًا. لأن صيغة الجمع المراد بها التعظيم. إنما يراد بها واحد.والثاني أن يراد بصيغة الجمع معنى الجمع المعروف. وغذا علمت ذلك. فالم أن القرآن العظيم. يكثر فيه جدًّا غطلاق الله جل وعلا. على نفسه صيغة الجمع. يريد بذلك تعظيم نفسه. ولا يريد بذلك تعددًا ولا أن معه غيره. سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًان كقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر: 9].فصيغة الجمع في قوله: {إِنَّا} وفي قوله: {نَحْنُ} وفي قوله: {نَزَّلْنَا} وقوله: {لَحَافِظُونَ} لا يراد بها أن معه منزلًا للذكر. وحافظًا له غيره تعالى.بل هو وحده المنزل له والحافظ له. وكذلك قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون} [الواقعة: 58- 59] وقوله: {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون} [الواقعة: 69]. وقوله: {أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المنشئون} [الواقعة: 72]. ونحوهذا كثير في القرآن جدًّا. وبه تعلم أن صيغة الجمع في قوله: {إِنَّا}. وفي قوله: {خلقنا} وفي قوله: {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] إنما يراد بها التعظيم. ولا يراد بها التعدد أصلًا.وإذا كان يراد بها التعظيم. لا التعدد علم بذلك أنها لا تصح بها معارضة قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ}. لأنها دلت على صفة اليدين. والجمع في قوله: {أَيْدِينَا} لمجرد التعظيم.وما كان كذلك لا يدل على التعدد فيطلب الدليل من غيره. فإن دل على أن المراد بالتعظيم واحد حكم بذلك. كالآيات المتقدمة.وإن دل على معنى آخر حكم به.فقوله مثلًا: {وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} قام فيه البرهان القطعي أنه حافظ واحد. وكذلك قوله: {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}. {أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ}. {أَمْ نَحنُ الْمُنشِئُونَ} فإنه قد قام في كل ذلك البرهان القطعي على أنه خالق واحد. ومنزل واحد. ومنشىء واحد.وأما قوله: {مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} فقد دل البرهان القطعي. على أن الله موصوف بصفة اليدين كما صرح به في قوله: {لَمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} [ص: 75] كما تقدم إيضاحه قريبًا.وقد علمت أن صيغة الجمع في قوله: {لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. وقوله: {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 59] وقوله: {أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة: 69] وقوله: {أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} [الواقعة: 72] وقوله: {خَلَقْنَا لَهُمْ مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] لا يراد بشيء منه معنى الجمع. وإنما يراد به التعظيم فقط.وقد أجاب أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب الإبانة بما يقرب من هذا في المعنى.واعلم أن لفظ اليدين. قد يستعمل في اللغة العربية استعمالًا خاصًا. بلفظ خاص لا تقصد به في ذلك النعمة ولا الجارحة ولا القدرة. وإنما يراد به معنى أمام.واللفظ المختص بهذا المعنى هو لفظة اليدين التي أضيفت إليها لفظة بين خاصة. أعني لفظة بين يديه. فإن المراد بهذه اللفظة أمامه. وهو استعمال عربي معروف مشهور في لغة العرب لا يقصد فيه معنى الجارحة ولا النعمة ولا القدرة. ولا أي صفة كائنة ما كانت.وإنما يراد به أمام فقط كقوله تعالى: {وَقال الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرآن ولا بالذي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ: 31] أي ولا بالذي كان أمامه سابقًا عليه من الكتب.وكقوله: {وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة} [المائدة: 46] أي مصدقًا لما كان أمامه متقدمًا عليه من التوراة.وكقوله: {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25]. فالمراد بلفظ ما بين أيديهم ما أمامهم.وكقوله تعالى: {وَهوالذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِه} [الأعراف: 57]. أي يرسل الرياح مبشرات أمام رحمته التي هي المطر. إلى غير ذلك من الآيات.ومام يوضح لك ذلك أنه لا يمكن تأويل اليدين في ذلك بنعمتين ولا قدرتين ولا جارحتين. ولا غير ذلك من الصفات. فهذا أسلوب خاص دال على معنى خاص. بلفظ خاص مشهور. في كلام العرب فلا صلة له باللفظ الدال على الجارحة. بالنسبة إلى الإنسان ولا باللفظ الدال على صفة الكمال والجلال الثابتة لله تعالى فافهم.وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتابه: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. الذي ذكر فيه أقوال جميع أهل الأهواء والبدع والمؤولين والنافين لصفات الله أوبعضها ما نصه:جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسوله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا يردون من ذلك شيئًا.وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا. وأن محمدًا عبده ورسوله. وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة اتية لا ريب فيها. وأن الله يبعث من في القبور. وأن الله سبحانه على عرشه كما قال.{الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خَلَقْتُ بِيِدَىَّ} [ص: 75]. وكما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64] إلى أن قال في كلامه هذا. بعد أن سرد مذهب أهل السنة والجماعة. ما نصه:فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه. وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب. وما توفيقنا إلا بالله. وهو حسبنا ونعم الوكيل. وبه نستعين. وعيله نتوكل وإليه المصير. هذا لفظ أبي الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب المقالات المذكور.وبه تعلم أنه يؤمن بكل ما جاء عن الله في كتابه وما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم لا يرد من ذلك شيئًا ولا ينفيه بل يؤمن به ويثبته لله. بقلا كيف ولا تشبيه. كما هو مذهب أهل السنة. وقال أبو الحسن الأشعري أيضًا في كتاب المقالات المذكور ما نصه:وقال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم ولا يشبه الأشيئاء وأنه على العرش كما قال عز وجل: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ولا نقدم بين يدي الله في القول بل نقول: استوى بل كيف. ثم أطال الكلام رحمه الله. في إثبات الصفات كما قدمنا عنه. ثم قال ما نصه وقالت المعتزلة: إن الله استوى على عرشه بمعنى استو لى. اه. محل الغرض منه بلفظه.فتراه صرح في كتاب المقالات المذكور. بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء. هو قول المعتزلة لا قوله هو. ولا قول أحد من أهل السنة.وزاد في كتاب الإبانة مع المعتزلة الجهمية والحرورية كما قدمنا.وبكل ما ذكرنا تعلم أن الأشعري رجع عن الاعتزال إلى مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها.وقد قدمنا إيضاح الحق في آيات الصفات بالأدلة القرآنية بكثرة في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} [الأعراف: 54] الآية.واعلم أن أئمة القائلين بالتأويل. رجعوا قبل موتهم عنه. لأنه مذهب غير مأمون العاقبة. لأن مبناه على ادعاء أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها. لا تليق بالله لظهورها وتبادرها في مشابهة صفات الخلق.ثم نفى تلك الصفات الواردة في الآيات والأحاديث. لأجل تلك الدعوى الكاذبة المشؤومة. ثم تأويلها بأشيئاء أخر. دون مستند من كتاب أوسنة. أو قول صحابي أوأحد من السلف.
|